وقد تضطر الحكومة إلى تعيين "إدارة خاصة" للشركات المفلسة والمنهارة، مما يعني عملياً تأميماً مؤقتاً لشركات التوزيع والتوريد.
تردُ شركات توريد الغاز والكهرباء لملايين المنازل في بريطانيا اليوم على مقترحات الحكومة البريطانية لمواجهة أزمة ارتفاع أسعار الجملة للغاز الطبيعي والكهرباء، واحتمال مواجهة أزمة شديدة في فصل الشتاء مع زيادة الطلب.
وتصر الحكومة على أنه لن تحدث أزمة كبيرة في توريدات الطاقة خلال الأشهر المقبلة، وأن بريطانيا تعتمد على مصادر متعددة لتوريد الغاز والكهرباء.
وقال وزير مؤتمر المناخ العالمي "كوب26" إنه لن تكون هناك أزمة كبيرة. وأضاف في مقابلة إذاعية، "لا نتوقع تأثر الإمدادات بشكل كبير". بينما قال رئيس الوزراء بوريس جونسون إن هذا الارتفاع في الأسعار مؤقت وناجم عن زيادة استهلاك دول العالم مع التعافي الاقتصادي من أزمة وباء "كوفيد-19".
ووصف جونسون الوضع بأنه "يشبه ما يحدث عندما يقوم الجميع بتشغيل سخان مياه الشاي بالكهرباء بعد مشاهدة برنامج جماهيري على التلفزيون يشاهده الجميع، حينها يحدث ضغط كبير على نظام التوريد العالمي".
العمل 3 أيام
لكن إغلاق المصانع أبوابها مع النقص الشديد في توريد الغاز والكهرباء والارتفاع الجنوني في الأسعار يشير إلى عكس تطمينات الوزراء والحكومة.
وبحسب ما ذكرته صحيفة "الديلي تلغراف" نقلاً عن مصادر في قطاع الغاز والكهرباء، فهناك مخاوف من عودة بريطانيا إلى نظام العمل ثلاثة أيام في الأسبوع فقط كما حدث في السبعينيات، وذلك لمواجهة ارتفاع الأسعار ونقص الإمدادات وللحفاظ على المصانع والشركات كي تعمل في أضيق الحدود الممكنة.
وتعاني شركات تصنيع الزجاج والسيراميك والورق أكثر من غيرها من هذا النقص في الغاز والكهرباء وارتفاع أسعار الجملة، كما أن مصنع السماد الذي أغلق أبوابه في شمال بريطانيا قبل أيام يشير إلى أزمة في الأغذية المجمدة، بخاصة اللحوم والتي قد يشعر الجمهور بنقصها من على أرفف محال بيع التجزئة.
وسيضيف النقص وارتفاع أسعار الغذاء وغيره من السلع الاستهلاكية إلى ارتفاع قيمة فواتير الغاز والكهرباء لملايين البيوت في بريطانيا نتيجة الضغوط التضخمية التي تزيد بالفعل مع التعافي الاقتصادي من أزمة وباء كورونا، وتعد بريطانيا ودول منطقة اليورو الأكثر تعرضاً لخطر الارتفاع الصاروخي في معدلات التضخم.
أخطار التضخم
يقاس التضخم بأكثر من مقياس، لكن أسعار الطاقة مكون أساس في مؤشر التضخم الرئيس الذي تعتمده البنوك المركزية لتقرر سياستها النقدية، أي تحريك أسعار الفائدة لمواجهة التضخم. وشهدت أرقام التضخم في بريطانيا ارتفاعاً الشهر الماضي، وذلك قبل تطبيق الزيادة في فواتير الغاز والكهرباء لملايين البيوت التي سنحت بها "أوفجيم" مطلع الشهر الماضي، ويبدأ تطبيقها أول الشهر المقبل.
لكن الأسعار مرشحة للارتفاع أكثر خلال الأشهر المقبلة، بخاصة مع دخول فصل الشتاء وزيادة استهلاك الغاز والكهرباء في التدفئة. وتتوقع شركة "إيكونور" النرويجية، وهي إحدى أكبر موردي الغاز الطبيعي في العالم، أن يستمر ارتفاع أسعار الغاز في العام المقبل أيضاً بحسب ما أعلنت الأسبوع الماضي.
ووصل سعر الـ 1000 وحدة حرارية من الغاز الطبيعي، المقايس البريطاني الذي تحسب على أساسه عقود بيع وشراء الغاز، إلى أكثر من 222 دولاراً (162 جنيه استرليني)، بينما لم يكن يزيد في العقود الماضية في المتوسط على 55 دولاراً (40 جنيه استرليني) لكل 1000 وحدة حرارية.
ومنذ أبريل (نيسان) الماضي تضاعفت أسعار الغاز الطبيعي ثلاث مرات، وبلغت نسبة الزيادة في الأسعار منذ مطلع هذا العام 324 في المئة، بينما زادت أسعار الغاز خلال عام أي منذ سبتمبر (أيلول) 2020 بنسبة 455 في المئة.
وتواجه منطقة اليورو إلى جانب بريطانيا ارتفاعاً في معدلات التضخم في ما تبقى من هذا العام وربما العام المقبل، مما سيشكل ضغطاً سلبياً على التعافي الاقتصادي. وعلى سبيل المثال كانت نسبة الارتفاع السنوية في معدل التضخم في ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، الشهر الماضي 15.4 في المئة، مما يجعل متوسط معدل التضخم في الاقتصاد الألماني عند ثلاثة في المئة، وهي نسبة أكبر مما يستهدفه البنك المركزي الأوروبي عند اثنين في المئة.
مقترحات بريطانية
وبدأت بعض الحكومات الأوروبية بالفعل اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة أخطار نقص الإمدادات وارتفاع أسعار الجملة للغاز والكهرباء، فعلى سبيل المثال أقدمت الحكومة الإسبانية على خصم أكثر من 3.5 مليار دولار (3 مليار يورو) من أرباح شركات توصيل الطاقة للمنازل، وقالت إنها ستستخدم ذلك المبلغ لخفض فواتير الطاقة المنزلية للجمهور، مع تخصيص ما يزيد على 1.6 مليار دولار (1.4 مليار يورو) لدعم خفض ضريبة استهلاك الطاقة للتخفيف عن المستهلكين.
وفي بريطانيا يتوقع أن يتحمل دافعو الضراب مليارات الدولارات لدعم شركات التوزيع وتوريد الغاز والكهرباء للبيوت، فبحسب المقترحات الحكومية التي نوقشت خلال اليومين الماضيين بين الحكومة والشركات الرئيسة في القطاع، تتضمن كل الخيارات تحميل دافعي الضرائب العبء الأكبر من تبعات الأزمة، بحسب ما نشرت صحيفة "التايمز" الإثنين.
ومع انهيار خمس شركات توزيع وتوريد صغيرة، يتوقع أن يرتفع العدد خلال الأشهر المقبلة إلى 39 شركة، ويخشى من تكرار ما حدث مع الأزمة المالية العالمية عام 2008 حين تم توزيع عملاء البنوك التي على وشك الانهيار على البنوك الأكبر مع دعم حكومي للأخيرة.
وقد تضطر الحكومة إلى تعيين "إدارة خاصة" للشركات المفلسة والمنهارة، مما يعني عملياً تأميماً مؤقتاً لشركات التوزيع والتوريد.
وتتضمن المقترحات تحويل المستهلكين للغاز والكهرباء من الشركات المفلسة والمنهارة إلى الشركات الكبرى مع تقديم الحكومة دعماً في شكل ضمانات قروض للشركات الكبرى لتتحمل كلفة نقل المستهلكين إليها، على أن تعوض ذلك برفع الأسعار للمستهلكين في الفواتير.
ويتحمل المواطن البريطاني الدعم الحكومي من الضرائب التي يدفعها مرة أخرى بزيادة قيمة الفواتير، كما ذكرت "التليغراف".
COMMENTS