وكالات تحتشد العاصمة البريطانية لندن بالأماكن التاريخية والجذابة التي تستقطب ملايين الزوار سنويا، ولا عجب في ذلك، فهذه المدينة تمزج بين الت...
وكالات |
تحتشد العاصمة البريطانية لندن بالأماكن التاريخية والجذابة التي تستقطب ملايين الزوار سنويا، ولا عجب في ذلك، فهذه المدينة تمزج بين التاريخ والأرستقراطية وبين النمط الحديث العصري، دون إغفال المكانة التي تحظى بها العائلة الملكية في وجدان الملايين من الناس عبر العالم، بدليل المتابعة المنقطعة النظير التي تحظى بها حفلات زواج أفراد الأسرة المالكة، فقد صُنف زواج الأمير ويليام من الأميرة كيت قبل سنوات كأكثر حفل زفاف حظي بمتابعة في التاريخ سواء من حيث الحاضرين أو المشاهدين.
هذا الاهتمام العالمي بأسرة حاكمة هي الأعرق في العالم، ينعكس على كل ما له ارتباط بهذه العائلة التي تحولت لعلامة تجارية عالمية، وهناك من يصفها بقوة ناعمة للمملكة المتحدة لها تأثير عالمي.
ومن بين الرموز الملكية التي تسترعي اهتمام كل زائر للعاصمة البريطانية ويحرص كل سائح على التقاط صور لها أو معها، هناك حرس الملكة أو الحرس الملكي البريطاني بزيّه الشهير المميز في العالم، والذي يباع على شكل مجسمات كتذكار لكل من يقصد بريطانيا، حتى تحول أفراد الحرس الملكي وأماكن تواجدهم إلى محطة سياحية لا يفوتها كل من حل بعاصمة الضباب، وخصوصا حفلة تغيير الحرس أمام قصر بكنغهام، حيث يستمر الحفل لـ45 دقيقة، وتجد مختلف جنسيات العالم تنتظر هذه اللحظة لتصويرها لما فيها من بروتوكول صارم وطقوس عريقة عراقة هذه الفرقة العسكرية التي تعد من أقدم التشكيلات العسكرية في العالم، والتي تثير فضول الجميع، فمنهم من يحاول إضحاك الجنود أو استفزازهم، ومع ذلك يحافظ الحرس الملكي على هدوء غير طبيعي وكأنهم تماثيل جامدة لا تتحرك، والسبب في ذلك راجع لعدد من العوامل منها صرامة التقاليد المرعية داخل هذه الفرقة العسكرية التي تعد من النخبة داخل الجيش، وطبيعة العقوبة التي يتعرض كل جندي فقد أعصابه أو تفاعل مع الزوار الفضوليين الذين لا يكتفون بالتقاط الصور فقط.
المهمة.. حماية التاج البريطاني
تتعدد تسميات الحرس الملكي، بين اسم "حرس الحياة" كإشارة إلى كون مهمة هؤلاء الجنود هي حماية الجالس على العرش البريطاني، وبين لقب حرس الملكة الذي يمكن أن يصبح حرس الملك في حال تقلد رجل حكم البلاد.
وتطلق هذه التوصيفات المختلفة على كتيبة من الجيش البريطاني يتكون من سبعة أفواج، الفوج الأول الذي ستركز عليه هذه المقالة باعتباره الأكثر شهرة وحضورا، وهو فوج فرسان القصر أو حرس الحياة المكون من فرقة يطلق عليها "البلوز" أي الزرق كناية على لباسهم الأزرق، وفرقة "الملكيين" أصحاب الزي الأحمر والقبعة السوداء الطويلة، ثم هناك حرس المشاة المكون من خمسة أفواج وهي حرس رماة القنابل الملكفين بإطلاق المدافع خلال المناسبات الرسمية مثل استقبال ضيف في القصر أو حفل زفاف، وفرق "كولد ستريم" والحرس الأسكتلندي والإيرلندي والويلزي.
ويعتبر الحرس الملكي من أقدم التشكيلات العسكرية في العالم حيث يعود تاريخ تأسيسه لسنة 1660م من طرف الملك شارل الثاني الذي كان مهدَّدا بالقتل من طرف خصومه، فقرر تأسيس مجموعة من نخبة العساكر تكون مهمتها حماية الملك ومقر إقامته، ومنذ تلك الفترة والحرس الملكي يقوم بنفس المهمة. صحيح أن دورهم حاليا بات رمزيا وبروتوكوليا أكثر، لكن حراس الملكة يُعتبرون جنودا يشاركون في مهام قتالية داخل الجيش البريطاني.
يتواجد الحرس الملكي في العاصمة البريطانية لندن وفي مواقع محددة لها علاقة بالملكة، أو بنايات تابعة للجيش البريطاني كما هو الحال بالنسبة للمتحف الحربي، ولكن يتركز تواجدهم أساسا في قصر بكنغهام الذي يعتبر مكان انعقاد جل المناسبات الرسمية المرتبطة بالملكة، وفي قصر "سانت جيمس"، وأيضا برج لندن الذي يعتبر من أهم المعالم السياحية في العاصمة، إضافة لقصر ويندسور وهو مقر إقامة الملكة وأكبر قلعة مأهولة في العالم.
قصر بكنغهام.. مراسم تغيير الحرس
لكن جل السياح يفضلون التقاط الصور للحرس الملكي أمام قصر بكنغهام، فهناك تتم عملية تغيير الحرس بالموسيقى ولمدة تسمح للسياح بالتقاط الصور للحرس الملكي عن قرب.
وينطلق الحفل على الساعة الحادية عشرة صباحا أمام القصر، حيث تتقدم فرقة من الحرس الملكي يعزفون الموسيقى العسكرية الخاصة بهذا الفوج، تتبعها مجموعة مكونة من أربعين جنديا مقسمين إلى فرقتين، يتقدم كل فرقة ضابط، يتم كل هذا تحت حماية الأمن لمنع أي اعتراض لمسير الجنود أو إفساد حفل التغيير الذي له رمزية خاصة وتاريخ يعود لقرون حيث تم تنظيم أول حفل لتغيير الحرس الملكي قبل 520 سنة في قصر "وايت هول"، قبل أن يتم نقله إلى قصر "سانت جيمس"، وعندما قررت الملكة فيكتوريا جدة الملكة إليزابيث الحالية الانتقال لقصر باكنغهام سنة 1837، تقرر تنظيم حفلين الأول في هذا القصر والثاني أمام قصر "سانت جيمس".
صحيح أن الحرس الملكي تحول لرمز يجذب السياح، لكن هذا لا يمنع أن له وظيفة حساسة هي تأمين مقر إقامة الملكة سواء من الخارج وحتى من الداخل، من خلال دوريات تقوم بعمليات مراقبة على مدار ساعات اليوم ودون توقف، وظل حرس الملكة يقف على أبواب قصر بكنغهام من الخارج إلى غاية سنة 1959، عندما نشب خلاف بين أحد السياح وعنصر من الحرس، حيث قام الأخير بتوجيه ركلة قوية للسائح الذي استفز الجندي، وعلى أثر هذا الحادث تدخلت شرطة لندن التي منحت الحق للسائح وتمت معاقبة الجندي بالحبس عشرة أيام، ومنذ تلك الفترة قرر الجيش وضع الحرس خلف أبواب القصر تجنبا لمثل هذه الحوادث التي قد تخدش من صورة جنود الملكة.
حالات إخفاق في حماية القصر
على الرغم من الصرامة التي يتعامل بها حرس الملكة وحرصهم على الدقة في كل حركاتهم وسكناتهم، فإن تاريخهم لم يكن دائما مكللا بالنجاح، حيث تم تسجيل اختراقات أمنية شكلت خطرا على حياة الملكة.
كانت الأولى سنة 1982 حين تمكن شخص من اختراق كل الحواجز الأمنية والدخول لقصر بكنغهام، ليس هذا وفقط بل وصل لغرفة نوم الملكة، ولحسن الحظ أن الأخيرة لم تكن موجودة هناك، لتلقي الشرطة القبض على المتسلل.
أما الحادث الثاني الشهير فهو عندما تمكن محتج سنة 2004 من اعتلاء شرفة نفس القصر، وتطلب الأمر ساعات طويلة لإخراجه. ودفع هذا الحادث بالعديد لمطالبة الجيش بزيادة الاستثمار في الحرس الملكي تأمينا لحياة الملكة خصوصا وأن تلك الفترة كانت تشهد تهديدات إرهابية متزايدة.
ومع ذلك يظهر أن الحرس الملكي لا يفضل التدخل في كل ما له علاقة بالاشتباك مع المدنيين وترك هذه المهمة للشرطة، باستثناء الحالات الخطيرة حيث يمكن أن يمنحوا الحق في إطلاق النار.
قواعد صارمة.. كل حركة بثمن
يخضع عناصر الحرس الملكي لقواعد صارمة يجب عدم انتهاكها تحت أي ظرف، ولهذا تنتشر صور للجنود وقد أغمي عليهم من شدة الإعياء دون أن يتدخل رفاقهم لنجدتهم في انتظار تدخل السلطات المختصة، فحتى لو أحس الجندي بالتعب والإرهاق يجب عليه عدم ترك مكانه إلى أن يقع مغشيا عليه.
أما في المهام اليومية فإن كل فرقة تحرس موقعا معينا لمدة ساعتين دون حركة أو حتى إيماءة بالوجه، بعدها ينتقل الجندي حاملا بندقيته ويَعد 15 خطوة ذهابا وإيابا، ومن أجل إراحة كتفه الذي يحمل البندقية.
وقبل أي دورية يتعين على الجندي أن يقرأ تعليمات الخدمة التي تنص على أنه لا يحق له الأكل أو النوم أو التدخين أو الارتخاء أو الجلوس أو الحديث مع أي كان خلال مدة الحراسة.
وبالنظر لكثرة الفضوليين الذين يصلون حد الإزعاج من خلال استفزازهم للحرس أو محاولة انتزاع ابتسامة منهم، تنص قواعد الحرس الملكي على أنه يجب بدايةً إثارة انتباه هؤلاء من خلال ضرب الحذاء على الأرض وبقوة، وبعدها يصرخ الجندي بقوة "ابتعدوا عن حرس الملكة"، ويكررها أكثر من مرة، وفي حال لم يبتعد الشخص المعني فإن الحارس يضع سلاحه في حالة تأهب كنوع من التهديد، وإن لم يرتدع فهنا يصبح أمام العسكري الخيار بين إلقاء القبض على الشخص بنفسه أو طلب تدخل الشرطة التي تكون عادة قريبة.
من يبتسم يدفع غاليا
يدفع المظهر الجامد للحرس الملكي الكثير من الناس لمحاولة استفزازهم، أو دفعهم لإبداء أي رد فعل أو إظهار الغضب أو الفرح، ومع ذلك يظهر أفراد الحرس الملكي الكثير من البرود، وهذا راجع أولا لطبيعة تكوينهم العسكري الذي يوجد في قلبه تدريبات شاقة على الثبات الانفعالي في أصعب الظروف، وأيضا بالنظر للقواعد الصارمة المفروضة على أي حارس يُضبط وهو يبتسم أو يبدي أي إشارة بوجهه لأي شخص أمامه، فأي حركة بالوجه يكون ثمنها غرامة مالية يدفعها الجندي قد تصل إلى 400 دولار، ومع ذلك لا يمل الزوار من محاولة استثارة الحرس لاختبار قدرتهم على التحمل، وهذه المحاولة قد تكلف البعض سلامته الجسدية، حيث توثق العديد من المقاطع المصورة لحالات الغضب التي تنتاب الحرس الملكي، فإما يصرخون في وجه الشخض وربما يضربونه.
القبعة السوداء.. ما سرها؟
تبقى القبعة السوداء الطويلة والكثيفة الشعر من أكثر ما يميز زي الحرس الملكي البريطاني، حيث لا نظير لهذه القبعات في العالم، ويثير منظرها الكثير من التساؤلات عن السر الكامن وراء التمسك بها. وتتحدث كثير من المصادر عن كون الهدف من كبر حجم القبعة هو منح طول إضافي للجندي والزيادة من هيبته أمام أي شخص، ويتم تصنيع هذه القبعات من فرو أصلي للدب، وهو ما كان محط انتقاد من قبل جمعيات حماية الحيوان، وبالفعل حاول القصر التجاوب مع هذه الانتقادات وقرر تغيير الفرو الأصلي بآخر اصطناعي، لكن الفرو لم يصمد كثيرا أمام تغير الطقس في لندن، وبهت لون القعبات بسرعة، فتم اتخاذ القرار بالعودة للفرو الأصلي.
ولك أن تتخيل وضعية الحرس الملكي وهم يحملون فوق رؤوسهم قبعة من فرو الدببة في فصل الصيف والرطوبة العالية، ولعل هذا ما يؤدي لحالات إغماء في صفوف الحرس الملكي، ويبلغ وزن القبعة نحو كيلوغرام واحد، ويتضاعف وزنها في حال تعرضها للبلل.
حدث تاريخي.. امرأة تقود الحرس
ظلت مهمة قيادة الحرس الملكي خلال علميات التغيير أمام قصر الملكة حكرا على الرجال عدة قرون قبل أن تتمكن الجندية الكندية ميغان كوتو من دخول التاريخ كأول مجندة تقود مراسم تغيير حراس الملكة أمام قصر باكنغهام سنة 2017، وأمام حشد غفير من الناس قادت الشابة التي تبلغ من العمر 24 عاما أربعين عسكريا، وذلك بمناسبة الذكرى الـ150 لتأسيس كندا التي تعتبر من دول الكومنولث التابعة للتاج البريطاني.
أما عن أول امرأة تحظى بشرف التعيين ضمن فوج فرسان النخبة الملكي فهي الشابة البريطانية "نينا كروكر" وأصبحت أحد حراس الملكة، ويعول عليها بالموازاة مع ذلك في أداء مهمة حساسة مثل حماية المنازل الملكية والمشاركة في حفلات الزفاف وعيد ميلاد الملكة.
ويبقى الحرس الملكي البريطاني من الرموز الدالة على عراقة الدولة والمؤسسات البريطانية وقدرتها على تسويق صورتها على الصعيد العالمي، حتى تحول طقس تغيير الحرس إلى مناسبة سياحية تجذب الملايين من الأشخاص سنويا، لشدة إعجابهم بالبروتوكول المتبع ولأنه يعكس عراقة المؤسسة الملكية البريطانية.
COMMENTS