عادت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى دائرة الضوء في بريطانيا من جديد بعد أن أدى تدخلها في اللحظة الأخيرة إلى إيقاف أول رحلة جوية كان من ...
عادت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى دائرة الضوء في بريطانيا من جديد بعد أن أدى تدخلها في اللحظة الأخيرة إلى إيقاف أول رحلة جوية كان من المفترض أن تنقل طالبي لجوء من المملكة المتحدة إلى رواندا.
وأعرب نواب من حزب المحافظين الحاكم عن غضبهم الشديد لأن يكون لمحكمة مقرها في بلد آخر حق إيقاف رحلة جوية بريطانية، ولا سيما بعد خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها المحكمة للهجوم من قبل مسؤولين وسياسيين بريطانيين. فما القصة؟
ما هي المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؟
هي محكمة دولية تأسست في عام 1959، وتتخذ من مدينىة ستراسبورغ الفرنسية مقرا لها، وهي ليست تابعة للاتحاد الأوروبي. تتكون المحكمة من عدد من القضاة مساو لعدد الدول الأعضاء في المجلس الأوروبي والتي صدقت على إعلان حقوق الإنسان والحريات الأساسية (المعروف أيضا بالميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان). يعمل قضاة المحكمة بصفة فردية، ولا يمثلون دولهم.
ما هو المجلس الأوروبي؟
المجلس الأوروبي هو أكبر منظمة حقوقية في أوروبا، ويبلغ عدد أعضائه 46 دولة من بينها 27 دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي. تأسس المجلس في عام 1949، بغرض العمل على حل المشكلات الأوروبية المشتركة والتركيز على الحريات وحقوق الإنسان.
وحتى قبل نهاية الحرب العالمة الثانية، اقترح رئيس الوزراء البريطاني السابق وينستون تشرتشيل في عام 1943 إنشاء مجلس أوروبي لضمان عدم تكرار الفظائع التي ارتكبها النظام النازي الذي سيطر على ألمانيا وسعى إلى نشر الفاشية في مختلف أنحاء القارة.
لا يمتلك المجلس صلاحية إصدار قوانين، ولكنه له القدرة على الضغط من أجل تطبيق بعض الاتفاقيات الدولية التي توصلت إليها الدول الأعضاء حول قضايا عديدة.
ما هو الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان؟
هو اتفاقية دولية يحق فقط لأعضاء المجلس الأوروبي الانضمام إليها. هذا الميثاق تأسست بموجبه المحكمة، إذ ينظم طريقة عملها ويحتوي على قائمة الحقوق والضمانات التي تعهدت الدول الأعضاء بالالتزام بها.
ما هي اختصاصات محكمة حقوق الإنسان الأوروبية؟
تسعى المحكمة إلى تطبيق الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان، ومهمتها الأساسية هي التأكد من احترام الدول الأعضاء للحقوق والضمانات التي ينص عليها الميثاق.
وتقوم بذلك من خلال النظر في الشكاوى (التي تسمى "طلبات") المقدمة من قبل أفراد، أو دول في بعض الأحيان، من قيام واحدة أو أكثر من الدول الأعضاء بانتهاك أي من تلك الحقوق والضمانات. قرارات المحكمة ملزمة، إذ يتعين على الدول المعنية الامتثال لها. وقد نظرت المحكمة في مئات من الطلبات منذ تأسيسها، وأدت أحكامها في بعض الأحيان إلى تغيير تشريعات وإجراءات إدارية في بعض البلدان.
ما الحقوق التي يحميها الميثاق الأوروبي؟
يحمي الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان الحقوق التالية على وجه الخصوص:
- الحق في الحياة
- الحق في محاكمات عادلة في القضايا المدنية والجنائية
- حق احترام الحياة الخاصة والأسرية
- حرية التعبير
- حرية الفكر والضمير والدين
- الحق في الحصول على علاجات فعالة
- حق المرء في الاستمتاع بممتلكاته بشكل آمن
يحظر الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان الأمور التالية بشكل خاص:
- التعذيب والمعاملة أو العقوبات اللاإنسانية أو المهينة
- الحبس التعسفي وغير القانوني
- التفرقة بين الناس في الاستمتاع بالحقوق والحريات المنصوص عليها في الميثاق
- طرد الدول الأعضاء لمواطنيها أو رفض دخولهم
- عقوبة الإعدام
- الطرد الجماعي لغير المواطنين
من يحق له التقدم بطلب للمحكمة؟
لا يتعين بالضرورة أن يكون المتقدم بشكوى للمحكمة من مواطني أي من الدول الأعضاء، ولكن يجب أن يكون الانتهاك الذي يشكو منه قد ارتكبته واحدة من الدول الأعضاء ضد شخص على أراضيها. وقد يكون المتقدم فردا أو كيانا - شركة أو مؤسسة على سبيل المثال - ويجب أن يكون ضحية مباشرة للانتهاك المزعوم، ولا يمكن أن تكون الشكوى عامة ضد قانون أو إجراء. يجب أن تكون الشكوى ضد واحدة أو أكثر من الدول الموقعة على الميثاق (ليس ضد أفراد أو هيئات خاصة).
لا تمتلك المحكمة صلاحية نقض الأحكام القضائية التي تصدر في الدول الأعضاء أو إلغاء القوانين المطبقة فيها.
لماذا تثير المحكمة جدلا في المملكة المتحدة؟
هناك عدد من الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والتي أثارت حفيظة حكومات المملكة المتحدة. في عام 2012 على سبيل المثال، قضت المحكمة بعدم جواز ترحيل أبو قتادة الذي كان يوصف بأنه الذراع اليمنى لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن إلى الأردن لمواجهة اتهامات متعلقة بالإرهاب لأنه لن يحصل على محاكمة عادلة هناك حسب رأي المحكمة.
في العام ذاته، هددت المحكمة باتخاذ إجراءات ضد بريطانيا لعدم التزامها بحكمها القاضي بوجوب منح السجناء حق التصويت.
ومؤخرا، أصدرت المحكمة قرارا بوقف ترحيل مواطن عراقي إلى رواندا لمدة ثلاثة أسابيع بعد صدور الحكم القضائي النهائي في المحاكم البريطانية في طعنه في قرار الترحيل، وذلك بعد أن كانت المحكمة العليا في لندن قد قررت أنه يمكن إعادته من رواندا في حال نجاح الطعن، إذ قالت المحكمة الأوروبية إنه ليس هناك آلية قانونية قابلة للتنفيذ لضمان عودته من البلد الأفريقي.
وخلال العقد الأخير، تعالت أصوات نواب وأعضاء بحزب المحافظين الحاكم المطالبين بانسحاب المملكة المتحدة من المحكمة والميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان.
رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون عارض دعوات نواب من حزبه الخروج من المجلس الأوروبي، ولكنه كان يرى أن ثمة ضرورة لتغيير طريقة عمل محكمة حقوق الإنسان الأوروبية لأنه من الخطأ نقض صلاحيات البرلمان البريطاني بحسب رأيه.
ولكن رئيس الوزراء بوريس جونسون ترك الباب مفتوحا لاحتمال الانسحاب من الميثاق لتسهيل عملية ترحيل طالبي اللجوء من البلاد.
ما موقف الحكومة البريطانية من الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان؟
كانت المملكة المتحدة أول دولة تصدق على الميثاق في عام 1951، وتمت حمايته في إطار القانون البريطاني بموجب قانون حقوق الإنسان الصادر عام 1998، ما سمح بتطبيق الحقوق التي كفلها الميثاق في المحاكم البريطانية.
لكن الحكومة تعهدت بإلغاء قانون حقوق الإنسان واستبداله بآخر، وذلك في أعقاب تضمين تعهد بإصلاح قوانين حقوق الإنسان في البرنامج الانتخابي لحزب المحافظين عام 2019.
وتقول الحكومة إن التغييرات التي ستقترحها سوف تؤدي إلى تقوية "حرية التعبير" وتحقيق المزيد من التوازن بين حماية حقوق الأفراد وتطبيق سياسات فعالة، واستعادة دور البرلمان بوصفه هيئة صنع القرار العليا. أما المعارضون فيرون أنه سيقوض الخصوصية والحريات المدنية ويعطي للحكومة مجالا أكبر لمراقبة المواطنين.
COMMENTS